[الإسراء: من الآية23]
إنه أمرٌ بعدم النهر، وهو متضمن للأمر بضده، وهو الأمر بالقول الكريم، الذي لا تعنيف فيه
ولا تقريع ولا توبيخ.
2 ـ وكذلك ـ أيضاً ـ فيما يخص مخاطبة السائل المحتاج: { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10]
بل بعض العلماء يرى عمومها في كل سائل: سواء كان سائلاً للمال أو للعلم، قال بعض العلماء:
"أي: فلا تزجره ولكن تفضل عليه بشيء أورده بقول جميل".
3 ـ ومن التطبيقات العملية لهذه القاعدة القرآنية، ما أثنى الله به على عباد الرحمن، بقوله:
{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان: من الآية63]: يقول ابن جرير ـ رحمه الله ـ
في بيان معنى هذه الآية: "وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من
القول، والسداد من الخطاب".
وهم يقولون ذلك "لا عن ضعف ولكن عن ترفع؛ ولا عن عجز إنما عن استعلاء، وعن صيانة للوقت
والجهد أن ينفقا فيما لا يليق بالرجل الكريم المشغول عن المهاترة بما هو أهم وأكرم وأرفع".
ومن المؤسف أن يرى الإنسان كثرة الخرق والتجاوز لهذه القاعدة في واقع أمة القرآن
وذلك في أحوال كثيرة منها:
1 ـ أنك ترى من يدعون إلى النصرانية يحرصون على تطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب
الناس إلى دينهم المنسوخ بالإسلام، أفليس أهلُ الإسلام أحق بتطبيق هذه القاعدة، من أجل كسب
الخلق إلى هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله لعباده.
2 ـ في التعامل مع الوالدين.
3 ـ في تعامل الزوج مع زوجه.
4 ـ مع الأولاد.
5 ـ مع العمالة والخدم.
وقد نبهت آية الإسراء إلى خطورة ترك تطبيق هذه القاعدة، فقال سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}
[الإسراء: من الآية53]!
وعلى من ابتلي بسماع ما يكره أن يحاول أن يحتمل أذى من سمع، ويعفو ويصفح، وأن يقول خيراً
وأن يقابل السفه بالحلم، والقولَ البذيء بالحسن، وإلا فإن السفه والرد بالقول الردئ يحسنه كل أحد.
وهذه واقعة لأحد دهاقنة العلم وهو الإمام مالك رحمه الله مع الشاعر الذي قضى عليه بحكم لم يرق له
فتهدده بالهجاء، فقال له مالك:
(إنما وصفتَ نفسك بالسفه والدناءة، وهما اللذان لا يعجز عنهما أي أحد، فإن استطعت أن تأتي الذي تنقطع
دونه الرقاب فافعل: الكرم والمروءة!).
وما أجمل قول المتنبي:
وكل امرئ يولي الجميل محبب *** وكل مكان ينبت العز طيب
د.عمر بن عبد الله المقبل