السكينة في القرآن الكريم
ذكر الله تعالى السَكِينة في القرآن في ستَّة مواضع:
الأَوّل: قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أي ما تسكُنون به إِذا أَتاكم، أَو هي شيء كان له رأْسٌ كرأْس الهِرّ من زبرجد وياقوت، وجناحان.
الثاني: قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا}.
الثالث: قوله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}.
الرّابع: قوله: {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ}.
الخامس: قوله: {لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}.
السّادس: قوله: {إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ} الآية.
وكان بعض المشايخ إِذا اشتدّت عليه الأُمور قرأَ آيات السّكينة.
ويُرْوَى عنه في واقعة عظيمة جرت له في مرضه يعجز العقول والقرائح عن حملها من محاربة أَرواح شيطانيّة ظهرت له في حال ضعف القوّة. قال: فلمّا اشتدّ علىَّ الأَمر قلت لأَقاربي ومَن حَوْلِي: اقرءُوا آيات السّكينة. قال: ثمّ انقطع عني ذلك الحال وجلست وما بي قَلَبَة.
وقد جرّبتها الأَكابر عند اضطراب القلب ممّا يَرِد عليه، فرأَوا لها تأْثيرًا عظيماً في سكونه وطمأْنينته.
وأَصل السَّكِينَة هي: الطُّمأْنينة والوَقار والسّكون الذي يُنزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يَرِد عليه، ويوجب له زيادة الإِيمان، وقوّة اليقين والثبات. ولهذا أَخبر سبحانه عن إِنزالها على رسوله وعلى المؤمنين في مواضع القَلَق والاضطراب؛ كيوم الغار، ويوم حُنين ونحوه.
وقال ابن عبّاس: كلّ سكينة في القرآن فهي طمأنينة إِلاَّ في سورة البقرة.
واختلفوا في حقيقتها، وهل هي عينٌ قائمة بنفسها أَو معنًى، على قولين:
أَحدهما: أَنَّها عينٌ، ثمّ اختلف أَصحاب هذا القول في صفتها.
فُروِىَ عن علىّ بن أَبى طالب أَنها ريح صفَّاقة لها رأْسان، ووجهها كوجه الإِنسان.
وعن مجاهد: أَنَّها على صورة هِرّة لها جناحان وعينان لهما شعاع، وجناحاها من زمرّد وزبرجد، فإِذا سمعوا صوتها أَيقنوا بالنَّصر.
وعن ابن عبّاس: هي طَسْت من ذهب من الجنَّة، كان يغسل فيه قلوب الأَنبياءِ. وعن ابن وهب: هي روح الله يتكلَّم، إِذا اختلفوا في شيء أَخبرهم ببيان ما يريدونه.
والثاني: أَنَّها معنى. ويكون معنى قوله: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أي في مجيئه إِليكم سكينةٌ وطمأْنينة.
وعلى الأَوّل يكون المعنى أَنَّ السكينة في نفس التَّابوت، ويؤيّده عطف قوله: {وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ} .
وقال عطاءُ بن أَبى رَبَاح: فيه سكينة هي ما يعرفون من الآيات فيسكنوا إِليها. وقال قتادة والكلبي: هي من السّكون، أي الطمأنينة من ربّكم. ففي أي مكان كان التَّابوت اطمأَنوا إِليه وسكنوا. قال: وفيها ثلاثة أَشياء: للأَنبياء معجزة، ولملوكهم كرامة، وهى آية النُّصرة، تخلع قلوب الأَعداءِ بصوتها رُعْبًا إِذا التقى الصّفَّان للقتال.
(انظر: بصائر ذوي التمييز للفيروز أبادي، الباب الثالث عشر ـ في وجوه الكلمات المفتتحة بحرف السين ، ضمن العنوان: بصيرة في السكون).
المصدر
ملتقي البيان لتفسير القرآن
تحيات